بقلم: الشيخ الدكتور حسان عبدالله
المصدر: مجلة الوحدة الإسلامية – 181
الأصل في حركة الإسلام هو أن يقود الحياة في كل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولا تفريق في الإسلام بين السلطة والدعوة بل أنهما يتكاملان بحيث لا يمكن تطبيق الحكم الإسلامي إن لم يكن مشفوعاً بدعوة إسلامية واضحة.
وهذا إن تم اقتران السلطة بالدعوة فساعتئذٍ يكون تمام المطلوب قد تحقق، أما إذا لم يمكن الجمع بين السلطة والدعوة فما العمل؟ الأصل أن الأولوية للدعوة التي لا يجوز تركها بحال وهي غير مرتبطة بالتمكين بل يمكن ممارسة الدعوة من دون أن تكون في موقع السلطة، وعليه عند التعارض بينهما يجب اختيار الدعوة ولنا في هذا شواهد تاريخية واضحة.
الأولى مع رسول الله(ص) عندما جاءه عرض قريش بالمغريات المعروفة ومنها السلطة مقابل ترك الدعوة، كان جوابه (ص): “والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه”.
وأمير المؤمنين(ع) عندما مُنع عن السلطة التي يعرف أنها من حقه كان جوابه: “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين وإن لم يكن من جور إلا عليَّ خاصة” وهو بذلك اتجه لعملية الدعوة والنصح والإرشاد، وحتى عندما اتجهت الأمور باتجاه إعطائه طبعاً السلطة بعد خراب البصرة قال لهم: ” دعوني والتمسوا غيري فإني لكم وزير خير لكم من أمير”
أما في النهج الآخر نرى معاوية عندما استتب له الأمر بعد صلحه مع الإمام الحسن (ع) ودخوله إلى الكوفة قال لهم: “هل تظنوا أني قاتلتكم كي تصوموا وتصلوا وأنا أعلم أنكم تصومون وتصلون إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وكل عهد عهدته للحسن بن علي تحت قدميَّ”.
فالمشروع عند بني أمية وكذا عند بني العباس كان دائماً السلطة والوصول إليها مهما كلف الثمن، وهذا ما فعله المأمون الذي سمع من والده هارون الرشيد عند سؤاله عن الإمام الكاظم(ع) وعن سبب الحفاوة التي استقبله بها فرد عليه إن هذا هو خير البشر علماً وحكمة، فقال له: إذاً، هو أحق بمنصبك!.. قال له نعم ولكن الملك عقيم والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عينيك” وفعلاً قاتل ابنه المأمون أخاه الأمين للاستئثار بالسلطة وقتله واخذ السلطة منه.
أما عند أئمة أهل البيت(ع) فالأمر واضح بيّنه الإمام الحسين (ع) “اللهم تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحُطام ولكن لنُرِىَ المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويُعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك”.
فمشروع السلطة يجب أن يكون في خدمة الدعوة لا العكس فإن لم يمكن الجمع بين الأمرين نتجه إلى الدعوة التي لا يجوز تركها بحال.
ومن هنا عندما هُدد الإمام الرضا بالقتل وعندما فهم أن ما يريده المأمون هو حماية ملكه من ثورات تتصاعد وإسكات شيعة الإمام الرضا(ع) وضمان شيءٍ من شرعية يريدها لحكمه بعد تزلزلها بقتاله مع أخيه بين سبب قبوله بقوله: “اللهم أنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة وقد أُكرِهت واُضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل إن لم أقبل ولاية العهد، اللهم لا عهد إلا عهدك ولا ولاية إلا من قبلك فوفقني لإقامة دينك وإحياء سنة نبيك محمد (ص) فإنك أنت المولى وأنت النصير ونعم المولى أنت ونعم النصير”.
فيظهر أنه عندما اضطر إلى سلطة وهمية معروفة الأهداف من قبل المولّي الذي لا يحق له ذلك أراد الإمام أن يكون هذا الأمر سبباً لتقوية الدعوة وإقامة الدين وإحياء السنة.
أما ما هو مظهر الوحدة فيما فعله الإمام الرضا(ع) فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الخلاف لم يكن مذهبياً أبداً بل هو خلاف سياسي توسل المذهب للوصول إلى أهدافه والدليل أن بني العباس رفعوا شعار الرضا لآل البيت محمد (ص) للوصول إلى السلطة، فلما وصولوا إليها صدق فيهم قول الشاعر:
يا ليت جور بني أمية دام لنا وليت عدل بني العباس في النار
والإمام الرضا(ع) بفعله هذا وإن أُكره عليه أراد الاستفادة منه لفتح الحوار مع الجميع مع المذاهب المختلفة ومع الأديان المختلفة ولدينا من آثاره الكثير من النقاشات التي ما زلنا نستفيد منها إلى اليوم.
وهنا أريد أن أنبّه إلى أن الموضوع المذهبي أو الخلاف العقدي لم يكن يوماً ما السبب في الحروب بل كان الوسيلة والحجة التي تُرفع من أجل تسعير الحروب ووصول الحكام إلى أهدافهم.
وبالخلاصة فإن سعي الأئمة عليهم السلام ومنهم الإمام الرضا عليه السلام لم يكن يوماً ليتوسل إلى السلطة كهدف بل للدعوة كرسالة، وإن تمكنوا من السلطة فلأجل خدمة الدعوة.أُلقيت في مؤتمر الإمام الرضا(ع) والوحدة الإسلامية الذي عقد في مشهد المقدسة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية