بقلم: الشيخ الدكتور حسان عبدالله
المصدر: مجلة الوحدة الإسلامية – 180
نحن العرب نحب الكلمات الفضفاضة الرنانة بغض النظر عن واقعيتها وصدقيتها ونعتبرها تسلية لنا في مصابنا ونعلق عليها ضعفنا وتخاذلنا وعدم القيام بواجباتنا من قبيل نؤيد ونشجب ونستنكر ونحيي ونتضامن ونتكاتف.
ولقد وجدت دوائر الاستكبار العالمي في لجوئنا لهذه الكلمات في الملمات الكبرى نوعاً من التسلية لنا وحافزاً على بقائنا في مكاننا دون أية حركة عملية نحو الأفضل ونحو تغيير الواقع الذي نعيشه.
نحن أمة تحلم وتغرق في الأحلام ولكنها عندما تستيقظ على الواقع تنسى الحلم على أمل اللقاء به في الليلة القادمة، نحن أمة تبكي مصابها بشكل سلبي لا أن يكون البكاء كعاطفة إنسانية دافعاً لتنهض وتغير الواقع الذي أبكاها، نحن أمة تستهلك ولا تنتج والاستهلاك ليس فقط في المنتجات المادية بل حتى بالعناوين السياسية والأحزاب والتنظيمات، فنحن لا ننتج تنظيمات من واقعنا وبما يتناسب مع مجتمعاتنا بل نأخذ من الغرب ما أنتج على هذا الصعيد لنستعمله في واقعنا مع الاختلاف الكبير بين مجتمعنا والمجتمع الغربي، إذ ليس من الضروري أن ينجح عندنا ما نجح عند غيرنا.
لذلك قامت الأمم المتحدة بعد دراستها لواقعنا بإنتاج ما اصطلح على تسميته اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 تشرين الثاني من كل عام للتذكير بالقرار (181) الصادر عن الأمم المتحدة، هذا القرار الجائر الذي يقسم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية.
ونحن نهلل ونعلن ونعتبر أن حقوقنا قد وصلتنا ونفرح لأن الأمم المتحدة تتضامن مع شعبنا الفلسطيني، أليس هذا نوع من أنواع التخلف؟!! أليس هذا اعترافاً بأن دولة الكيان الصهيوني هي كيان مقبول ومعترف به؟!! هل هكذا يكون التضامن مع الشعب الفلسطيني؟!!..
أليس ابن حيفا ويافا وغيرهما من المدن الفلسطينية التي أصبحت بهذا القرار جزءاً من دولة الكيان الصهيوني هم من الشعب الفلسطيني؟!!..
هل التضامن مع هذا الجزء من الشعب يكون بإرجاعهم إلى أرضهم وتحت حكم دولتهم أم بطردهم من هذه الأرض؟!!!..
ومع ذلك نجد كثيراً من القنوات العربية والمجتمعات والتنظيمات والأحزاب والجماعات والشخصيات والقوى تهلل لهذا اليوم وتُدْخِل في وجدان الناس إن هذا يوم جيد ومجيد للشعب الفلسطيني.
بكل صراحة أقول إن هذا اليوم هو يوم نكبة الشعب الفلسطيني، هذا اليوم هو يوم إنتاج دولة الكيان الصهيوني، هذا اليوم هو يوم سلب الشعب الفلسطيني حقه وتضييعه في الشتات، هذا اليوم هو يوم أُخترع ليكون حائط مبكى لنا، وكي نعلق عليه آمالاً زائفة، وكي يقول الحكام لشعوبهم إن الأمم المتحدة معنا فها هي تعلن يوماً للتضامن مع شعبنا الفلسطيني المقهور والمظلوم. في حين إنه تماماً مثل الذي أُحتل بيته المكون من سبعة غرف ثم اقترح مدير البناء إعطاء صاحب البيت غرفتين فرضي ولم يرضَ المحتل، فغضب المدير وأعلن انه يتضامن مع صاحب المنزل المحتل حتى يصل إلى الغرفتين، هذه مهزلة!!!.
أمام هذا الواقع يجب على كل الفعاليات الواعية أن تُطلِق حملة لاعتبار هذا اليوم ليس يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني بل هو يوم للتآمر عليه ولتكريس الاحتلال الصهيوني لأرضه، وعليهم أن يشرحوا لشعوبهم ماهية هذا اليوم وخلفيته. إما كيف نتضامن مع الشعب الفلسطيني؟!.
نتضامن مع الشعب الفلسطيني بإرجاع قضيته لكي تكون القضية الأولى في سلم اهتمامات وقضايا الأمة.
نتضامن مع الشعب الفلسطيني بأن نعتبر أن لا عدو لنا في داخل أمتنا سوى العدو الصهيوني.. نتضامن مع الشعب الفلسطيني باعتبار أن الوحدة العربية والإسلامية هي السبيل الوحيد لاستعادة حقوقنا السليبة في فلسطين.
نتضامن مع الشعب الفلسطيني بالإعلان أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لإبقاء القضية حاضرة في وجدان الأمة ولمنع الكيان الصهيوني من أن يفرض أمراً واقعاً كيهودية الدولة أو تغيير معالم القدس أو نشر المستعمرات بانتظار أن تتحد الأمة وتشكل جيشها الموحد لتحرير فلسطين لأننا نعتبر أن هذه المهمة هي مهمة الأمة وليس مهمة جزءاً منها.
نتضامن مع الشعب الفلسطيني بأن نتبنى ما أعلنه الإمام الخميني(قده) من إعداد لجيش العشرين مليون لتحرير فلسطين. ومع إعلانه رضوان الله تعالى عليه آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس.
التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني هو بتوفير كل الإمكانات المادية اللازمة لصموده أمام المحتل بأن نبني له بدل الدار التي يهدمها الاحتلال دارين، وأن نبني له البنى التحتية اللازمة لصموده في أرضه من مدارس ومستشفيات وجامعات و….
نتضامن مع الشعب الفلسطيني بتوفير إمكانيات العمل لكل شباب فلسطين في الداخل وعدم السماح لهم بالهجرة من فلسطين ولو بتأمين معاشات لمن لا يجد عملاً حتى يجد هذا العمل.
نتضامن مع الشعب الفلسطيني بتوفير الملاذ الآمن والإنساني له في مخيمات الشتات. نتضامن مع الشعب الفلسطيني بإرسال السلاح له كي يقاوم ويمارس حقه في تحرير وطنه وحفظ أهل الشهداء والأسرى من خلال تقديم مستلزمات الصمود لهم.
إن قمنا بهذه الأمور فنحن نتضامن مع الشعب الفلسطيني لا أن يكون عنوان التضامن عنواناً فارغاً من مضمونه ومجرد شماعة نعلق عليها تخاذلنا عن نصرة الأقصى وفلسطين وشعبها وقيامنا بواجبنا في تحرير فلسطين من رجس الاحتلال الصهيوني.